زارَ المطرُ كوكبَنا يوماً ما و تبعتهُ الشمسُ مهللةٌ، ونثرا معاً قوسَ قزح مليئاً في الألوان، و رُسِمَت بهجةُ الإختلافِ؛ لتعمَ أرجاءَ الكوكبِ بكلِّ ألون الحبِّ و النقاء. عندما أعطانا اللهُ أطفالاً مصابينَ في التوحد، لينثروا كل هذا الجمال على كوكبنا، فما هو التوحد ؟ وهل جلوس طفلي وحيداً دون التواصل مع الآخرين كثيراً يعني أنه طفل توحد؟ أو استخدام ابني الأجهزة الالكترونية فترات طويلة جعله طفل توحد؟ كل هذه الأسئلة تراقصت في أذهاننا يوماً ما و لمْ نجدْ إجاباتها أو ربما وجدناها، دعونا نجدها إذاً في هذا المقال
ما هو التوحد ؟
التوحدُ هو اضطراب عصبيٌّ نمائيٌّ شاملٌ يؤثرُ على الفردِ في الجوانبِ الاجتماعية، و اللغوية، والسلوكية في مرحلة الطفولة.هو اضطرابٌ معقدٌ يسكنه الكثير من الغموض؛ بسبب تداخله مع اضطرابات أخرى، اسْتُخْدِمَ في البدايةِ في ميدانِ الطبّ النفسيّ وكانَ يُعْرَفُ بالفصام. ثُمَّ اسْتُخْدِمَ مصطلح التوحد كاسم للدلالةِ على الاضطرابِ بأكمله.
العلاماتُ الفارقةُ عند طفلِ التوحد
كما أسلفنا فإنَّ عمليةَ تشخيصِ التوحد عمليةٌ صعبةٌ بسبب تداخلهُ مع اضطرابات أخرى، لكنْ بالنظرِ إلى أهم الجوانب التي تتأثر عندَ أطفالِ التوحد فهي تتركزُ في:
-جانب التفاعل الاجتماعي وهذا يعني أنَّ قدرة الطفل على الانخراط في المجتمعِ و فهمه تكونُ متدنيةٌ.
-التواصلُ اللفظيُّ وغير اللفظيّ حيثُ أنَّ أطفالَ التوحدِ لا يستطيعون التواصلَ مع الآخرين أو التعبير عمَّا يجولُ في خاطرهم، أو حتى استخدام إيماءات و إشارات للتعبيرِ عن احتياجاتهم ،فهم يفقدون القدرةَ على التعبيرِ، وجود سلوك نمطي متكرر مثل قضم الأظافر ، حركة الأصابع، الدوران، نتفُ الشعر وغيرها، و أطفال التوحد عندهم سلوك نمطي ينتمنون إليه و لا يستطعون مفارقته، و عدم القدرة على التخيل؛ لنفرض أنك يا ماما قلتي له :” روح اضرب راسك بالحيط” فليسَ لديه القدرة على فهم المعنى المجازي وتخيله، فربما يضربُ رأسه بالحائط، طفلُ التوحدِ ليستْ لديه القدرة على ربطِ الأشياء في خيالات، أو معرفة مشاعر الآخرين و أنَّ لديهم مشاعرَ مختلفةٌ عن مشاعره . طفلُ التوحد الذي يسكن قلوبنا لا يملكُ القدرةَ على التعلق و الانتماء إلى الذاتِ و الآخرين و المواقف. أما العلامات الأخرى المصاحبة طفلُ التوحد: لديه صعوبةٌ في استخدام اللغة و تأخر في اكتسابِ الكلام ولكنْ أطفال توحد آخرين ممكن أنْ يتحدثوا دون سكوت، بِلُغَتِه وكلماته الجميله رغم وجود الأخطاء فيها، فإنَّ طفل التوحد يعكسُ الضمائر في جمله فيقول عنك أنتَ بصفته هو “أنا”، بالاضافة لقلة المخزون اللغوي ومشاكل اللغة الاستقبالية و التعبيرية. طفلِ التوحد له روتين خاص و عالم خاص، عالم بالنسبة له مليء في الراحة والطمأنينة فهو لا يحبُّ أنْ يخترقَ أحدٌ روتينه وعالمه المفضل
من الجوانبِ الفرعية الأخرى المصاحبة طفل التوحد
أطفالُ التوحد غالباً لديهم مشاكل حسية، ولكنْ قد تكونُ موجودة أو لا، هذه الطاقات المليئة في الحبِّ قدْ يزعجها أيُّ صوتٍ و تسمعه كأنَّهُ انفجارٌ في أذنيها،أو قدْ يطربُ طفل التوحد لكل الأصواتِ المزعجةِ والعالية، تجده تارةً يهربُ من الضوءِ ومن أيِّ شعاعِ نور ينبثقُ من أي مكان،و طوْراً آخر يركضُ باتجاه شعاع النورِ رغبةً في إرضاء جانبه الحسيّ، من الممكن أن تجده يتذوقُ ويأكلُ أشياء غريبة أو تنعدمُ لديه الرغبة في أكل أطعمة معينة، يشمُّ كلَّ شيء و يرغبُ برائحةٍ معينة أو يبتعدُ عن الروائح كلها، طفلُ التوحد قد يؤذي نفسه بسببِ رغبته في لمس أشياء معينة تشعره بالراحة أو يهربُ من لمسِ أي شيء، ويراه شبحاً بنظره كأنَّه سيأكله عند لمسه، تراهُ مثلاً يغرقُ في هوى أيّ لون مثلاً الأصفر أو يفرُّ منه كأنَّهُ حربٌ شُنت عليه، فهوَ مختلفٌ باختلاف جميل يضمهُ إلى كوكبٍ يحتضنهُ بكل ميزاته هذه. طريقةُ اعبهم بالأشياء و تواصلهم معها تختلف، مثلاً إذا أمسكَ طفلُ التوحد سيارةً، قد يستمرُ ساعاتٍ أو دقائقَ وهو يلفُّ عجلها فقط، فلا يستطيعُ التعامل مع الألعابِ بطريقةٍ صحيحة
أسبابُ التوحد
هناكَ العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى التوحد، لكنَّ الدراسات لا زالتْ تبحثُ عن أسباب التوحد، من هذه الأسباب؛ العامل الوراثي التأَثُّرُ في بعض المواد الكيمائية كالزئبق و الرصاص، خللٌ عصبيٌّ ما، و الأبحاث تستمرُ في هذا الموضوع، لكنْ يا ماما العزيزة -مع عدم نفي تأثير الأجهزة الالكترونية الكبير على الأطفال- إلا أنَّ التلفازَ و الأجهزة الالكترونية، و طيور الجنة، و أغاني الأطفال لا تسببُ التوحد، قد يكتسبُ الطفل بعض صفات التوحد التي تجعلك ضمن دائرة الشك ولكنْ لا تجعله مصابٌ في التوحد، إنَّ الأجهزةَ الالكترونيةَ تؤثرُ بلا شكٍ على التطور اللغويّ عند الطفل و على جوانب التواصل، وعدم لعب طفلك مع أطفال آخرين لا يعني بالضرورة أيضاً أنه طفل توحدي، عند النظر إلى طفلِ التوحد فإننا ننظر لكل الجوانب الرئيسية التي ذُكرت سابقاً
أنواعُ التوحد
يتخللُ هذا القوسُ ألوانَ طيفٍ مختلفةٍ، كلُّ لونٍ له خصائص تختلفُ عن الآخر، فمنْ أنواع التوحد؛ التوحدُ الكلاسيكيّ فهذا النوع من التوحد معاملُ الذكاء فيه غير طبيعي، وغير ناطق، وغير مستقل،و يرافقه مشاكل حسية. النوع الثاني وهو التوحد غير المحدد ؛ فاسمه يدل عليه فإنَّ معامل الذكاء لديه قد يكونُ طبيعياً أو غير طبيعي، ناطق أو غير ناطق، مستقل أو غير مستقل.النوع الثالث وهو أسبرجر؛ معامل الذكاء في هذا النوع طبيعي أو فوق الطبيعي، أسوأُ ما يواجهُ الطفل المصابُ به هو التفاعل الاجتماعي و المشاكل الحسية. أما التفككيّ؛ يكونُ نمو الطفل فيه طبيعياً إلى عمر معين و لكنْ تغلبه الأعراض و تزوره غيمةٌ سوداء، و يسوءُ وضعهُ فجأة وتظهرُ علامات و أعراض التوحد عليه. وهكذا تُرسم هذه اللوحة وتشكلُّ طيفاً
علاجُ التوحد
العلاجُ الأساسيّ يكونُ في الدخول إلى عالم التوحد، وَ السيرُ فوقَ الغيوم مع طفلنا؛ لننسجَ لوحاتٍ من قوس السحاب تعمّرُ هذا الكون فتملأه اختلافاً، مع تقبلِ هذا الاختلاف و إلحاقه في عالمِ التأهيل و إعادة التأهيل، وجعل المستحيل واقعاً ؛و لنجعلَ طفلنا التوحديّ مستقلاً قدرَ المستطاع قادراً على القيام في مهام حياته البسيطة، بتعديلِ سلوكياته و مساعدته للسيْر قدماً نحو الحياة.
للمزيد سجلوا معنا