نظرة عميقة في التخلف العقلي

 

سمعنا في حياتنا الاجتماعية و اليومية مصطلح “على البَركة”، ولم نكن نعلم ماهية التعامل مع هذا الشخص، هو مجرد شخص  على البركة، مسكين” كما يصفه المجتمع للأسف، لكن المفاهيم أعمق من ذلك بكثير، هذه الأرواح البريئة البيضاء تطير من حولنا ناشرة أثرها الجميل. يؤسفني القول أن عدد من الناس يخاف منهم، أو يحذِّرون أطفالهم منهم، فهم على العكس تماماً طاقات جميلة جداً ونقية أكثر. دعونا نغوص في أعماق المفاهيم لنستطيع التعامل مع الأشخاص المتخلفين عقلياً. 

 

 

ما هو التخلف العقلي؟

وضع تعريف للتخلف العقلي صعب؛ لأن الأطفال المتخلفين عقلياً يظهرون أنماطاً سلوكية مختلفة، و تباين في مستويات التكيف، لكن التعريف الذي قدمه جروسمان واعتمدته الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي ينص على “أن التخلص العقلي هو انخفاض ملحوظ في مستوى الأداء العقلي العام يرافقه عجز في السلوك التكيفي و يظهر في مرحلة النمو.

كي نصنف هذه الأرواح البريئة النقية ضمن التخلف العقلي يجب أن تتوافر إذاً ثلاثة معايير و هي :

١-الانخفاض الملحوظ في مستوى القدرة العقلية.

٢- العجز في السلوك التكيفي.

٣- الظهور في مرحلة النمو. 

 

فالسمة المميزة لمتخلفين عقلياً هي عدم القدرة على القيام في السلوكيات التكيفية. فالسلوك التكيفي هو مستوى فاعلية الفرد في تحقيق معايير الاستقلالية الشخصية و المسؤولية الاجتماعية المتوقعة ممن هم من عمره ومن مجموعته الثقافية.

 

القدرة العقلية العامة

كثيراً ما سمعنا باختبارات الذكاء، وتشكل لدينا فكرة أنها تقيس كم أنت شخص ذكي،  فهو يستخدم فعلياً لقياس القدرة العقلية للشخص والتي يعبر عنها بمعامل الذكاء أو ال(IQ). كما أشرنا سابقاً من خلال التعريف أن الشخص المتخلف عقلياً لديه تدني في مستوى القدرة العقلية، بالتالي عند إجراء اختبارات الذكاء فإن نسبة الذكاء عند هؤلاء الأشخاص تكوت أقل من المتوسط بانحرافيين معياريين أو أكثر، وبذلك تكون نسبة ذكاءهم غير طبيعية. و تقاس كما أسلفنا من خلال اختبارات الذكاء و أهمها اختبار بينيه و وكسلر لذكاء الأطفال، للأسف في عالمنا العربي لا يوجد مقياس ذكاء مقنن على بيئتنا حتى هذه اللحظة. ومن الجدير بالذكر أن اختبار الذكاء يقيس الجانب اللفظي، والجانب التنفيذي و الأدائي =ز بالاعتماد على توزيع درجات الذكاء فإن التخلف العقلي يصنف إلى أربعة مستويات: 

١-تخلف عقلي بسيط ( تتراوح نسبة الذكاء بين ٥٥-٦٩)

٢-تخلف عقلي متوسط (تتراوح نسبة الذكاء بين ٤٠-٥٤)

٣-تخلف عقلي شديد (تتراوح نسبة الذكاء بين ٢٥-٣٩)

٤-تخلف عقلي شديد جداً ( عندما تقل نسبة الذكاء عن ٢٤)

 

 

أسباب التخلف العقلي 

عند وجود مشكلة ما فإننا نفني أرواحنا في سبيل إيجاد حل وذلك بعد معرفة السبب، قد يكون السبب وراء المشكلة أو الإضطراب عضوي، أو قد لا تكون لسبب عضوي، أو لا نجد سبباً معروفاً على الإطلاق ،في دوامة التخلف العقلي فإن هناك أسباب لا تعزى لأي مشكلة عضوية ، و أسباب أخرى عضوية معروفة ، فالأسباب البيولوجية -الطبية للتخلف العقلي :

١- الالتهابات و التسمم 

٢- الاصابات و العوامل الجسمية

٣-اضطرابات التمثيل الغذائي

٤-الأمراض الدماغية العامة.

و يعتقد البعض أن حالات التخلف العقلي تحدث بسبب الاضطرابات النفسية، لكن من الصعب تحديد أن التخلف العقلي يعقب الاضراب النفسي؛ و لذلك فمن النادر أن يكون سبب التخلف العقلي اضطراب نفسي.

 

خصائص الأفراد المتخلفين عقلياً 

الأشخاص المتخلفون عقلياً يعيشون أعمارهم في عالمهم هم متخلفون عن أقرانهم من نفس العمر و نموهم لا يوازي نمو أقرانهم، إنما ينمون كشجرة جميلة مزروعة في عالمها الخاص. و هناك تفاوت في الخصائص المدرجة أدناه بين الأشخاص المتخلفين عقلياً من هذه الخصائص:

أولاً : بالنسبة للانتباه فإن الأشخاص المتخلفون عقلياً لديهم قدرة على الانتباه إلى المثيرات ذات العلاقة بالموقف أضعف و أدنى من الأشخاص الغير متخلفين عقلياً، ويعد هذا سبباً لصعوبات التعلم التي يواجهها المتخلفون عقلياً.

ثانياً: بالنسبة للذاكرة فإن الأشخاص المتخلفين عقلياً لديهم مشاكل على صعيد الذاكرة قصيرة المدى و التي يتم تخزين المعلومات المهمة لوقت قصير فيها، واستخدام هذه المعلومات في التعلم، بالإضافة للضعف و التأخر اللغوي عند الأطفال المتخلفين عقلياً فاقترح إليس (Ellis,1970) من خلال دراسته أن الضعف اللغوي هو المسؤول عن ضعف الذاكرة لدى المتخلفين عقلياً.

ثالثاً : نموهم الجسمي يكون أقل تطوراً من النمو الجسمي للأشخاص العاديين، و ذلك فيما يخص ردود الفعل الدقيقة والمهارات الحركية المعقدة والتوازن الحركي، إذ أن هناك علاقة قوية بين العمر الزمني و الأداء الحركي .

رابعاً: التطور اللغوي للأطفال المتخلفين عقلياً يكون ضعيف، هؤلاء الأطفال يواجهون صعوبة في تعلم اللغة و تأدية مهماتها اللفظية، وذخيرتهم اللغوي و استخدامهم للغة يكون ضعيف و متأخر جداً.

خامساً: نموهم الانفعالي و الاجتماعي ضعيف، يعتمدون على الآخرين في حل مشاكلهم و أحياناً يواجهون صعوبة في بناء العلاقات الاجتماعية .

 

 التصنيف التربوي للمتخلفين عقلياً 

يُصنف المتخلفون عقلياً تربوياً إلى : 

١- قابلين للتعلم : وهم الأشخاص المتخلفون عقلياً بدرجة بسيطة، فمن الممكن دمجهم والسير معهم ومساعدتهم على التعلم.

٢- قابلين للتدريب : هم الأشخاص المتخلفون عقلياً ضمن الدرجات المتوسطة و من الممكن تدريبهم على مهارة معينة ليتموها.

٣- الاعتماديون: هم الأشخاص المتخلفون عقلياً ضمن الدرجات الشديدة و الشديدة جداً و هؤلاء يعتمدون بشكل كامل على محيطهم . 

 

التخلف العقلي ليس نعت سلبي نستخدمه مع الأشخاص للتقليل من قيمتهم، ولا المتخلف عقلياً هو شخص ” على البركة”، بفهمهم ومعاونتهم و احتواء حبهم الكبير للناس، أن لا نخبأهم في المنزل خشية الخروج و الفضيحة، هم ليسوا مجانين و لا مؤذيين، هم أرواح بريئة نقية تطير فتطبطب على قلوبنا و تحيط بها زارعةً بهجة الاختلاف اللطيف .

للمزيد تابعونا 

 

شارك هذه المقالة:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on email
Share on telegram
Share on whatsapp

التصنيفات

المقالات ذات الصلة

guest

2 التعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments