تحلق الكلمات و الأشياء حول طفلنا، منذ تشكله جنيناً في بطن الأم حتى آخر العمر، يسمعها و يخزنها ثم يخرجها لاحقاً، هذا الدماغ الصغير الذي يحتوي على بلايين الخلايا العصبية النشيطة في الصغر التي تدفع الطفل للقيام في العمليات المختلفة منها اللغوية، المعرفية و الإدراكية، في سلسلة من المقالات تحدثنا حول التطور اللغوي للطفل وتطور اللغة التعبيرية، لكن طفلنا الجميل لا يخرج الكلمات و الأصوات و الجمل من تلقاء نفسه، هناك عمليات استقبالية طويلة تساعده على إخراجها ، اللغة الاستقبالية دائماً تسبق اللغة التعبيرية و تكون أفضل منها. المعادلة تكون كالتالي استقبل جيداً حتى تنتج جيداً، استقبال طفلك للغة و الأشياء من حوله ما يفعله دماغه يشبه عمل خلية نحل؛ لتنتج قالباً من العسل، سنمضي معاً في سلسلة من تطور الطفل للغة الإستقبالية، و نطير مع النحلات و نراقب عالم عملها.
كيف يستقبل الطفل الكلمات؟
تنتقل الكلمات إلى مسامع طفلك منذ كان جنيناً، الطفل يسمع الأصوات من الأسبوع العشرين من الحمل، حيث تتطور حاسة السمع لديه المهمة لاستقبال اللغة، ومع تقدم الوقت يصبح جنينك قادراً على تمييز الأصوات الخارجية، قد يعرف صوتك مثلاً؛ لذلك ننصح الأم دائماً بالتحدث مع جنينها و القراءة له و جعله يسمع قرآن كريم، موسيقى، كلمات جميلة و توصف مدى جماله. فالذاكرة السمعية تتشكل في خلايا الطفل العصبية وهو جنين و تتطور بعد الولادة، عندما يأتي الطفل لهذا العالم يسمع كل الأصوات المحيطة به، وتنتقل هذه الأصوات من مراكز السمع إلى مراكز اللغة و النطق بالدماغ المسؤولة عن تحليلها، تمييزها، وتقسيمها ثم يتم تحويلها إلى مراكز التخزين لاستخدامها عند الحاجة. و تسير بخط منتظم دون وجود مشكلة ما لم تحدث إصابة أو خلل، الطفل دوماً يحتاج سماعك حتى منذ لحظة بكاءه الأول، تواصل المحيط معه أمر في غاية الأهمية مثلاً بإمكاننا التواصل معه عند ولادته مستخدمين مثل هذه الجمل “أهلاً فيك يا ماما على هالحياة” ، “ما أجملك”، “أنت اليوم انولدت واجيت على هالحياة” … و العديد من الكلمات التي يستقبلها ليخزنها الطفل، مع التأكيد أن هذه العملية لا تتم بسهولة فهي سلسلة من الأعصاب و المراكز العصبية .
تطور اللغة الإستقبالية في المراحل العمرية الأولى
الأطفال في المراحل العمرية الأولى و التي تتمثل من خلال سماع الأشياء أكثر من إنتاجها، يقومون بسماع الكلام وتقسيمه لجمل و كلمات ذات معنى، ويقسمون الكلمات إلى وحدات أصغر، يمكن للطفل أيضاً تمييز الجمل و الكلمات بناءً على خصائصها من ناحية التشديد عليها، مدة لفظها، علوها و تنغيمها، وتمييز إذا كان الشخص يسأل سؤالاً مثلاً أو يتكلم جملة كاملة. بتعلم الأطفال الكلمات من حولهم و يربطونها بالحواس الأخرى ليتعرفوا على معاني الكلمات يركزون على الجزء ثم الكل، وعلى تفاصيل الأصوات في الكلمة و تشكيلها مع بعضها البعض مع التنقل بينها، الطفل في المراحل العمرية الأولى يستطيع التمييز بين عدد من اللغات، من خلال سماعه للغته الأم بكثرة يبني داخل دماغه أرضية؛ تتشكل اللغة الأم وتعلم قواعد كلامها.
تقسيم اللغة الإستقبالية عند الطفل
تأكيداً على نقطة غاية في الأهمية خلال كل المراحل التطورية، أن هناك مجموعة مهارات ما قبل لغوية تساعد الطفل على اكتساب اللغة و تطورها، ومن ضمنها :
1-تبادل الأدوار.
٢-التواصل البصري.
٣-الانتباه المشترك
٤-النظر و الاستماع
٥-التقليد
٦-الابتسام و التفاعل المشترك ويبدأ على عمر الستة أسابيع.
٧-التوقع.
الطفل يبدأ بالالتفات جهة الأصوات الكلامية ومن خلال النظر إلى المحيط يربط المسموع في المعنى، لكن بالبدايات تركيزه يكون على إستقبال الكلمات و تقسيمها لأصوات، ثم يبدأ الطفل بفهم عدد كلمات المحيط مثلاً في عمر الستة شهور يفهم، و يفهم الأمر (لا)، الكلام يكون مقسم ضمن مجموعات، أي أن الطفل يقوم بتقسيم ما يسمع ويفهم بناءً على معناه إلى مجموعات في دماغه، في البدايات الطفل يقوم بتقسيم الأصوات و الكلمات إلى أصوات ،ثم يقومون بتقسيم الأصوات حسب خصائصها (مفخمة ،مرققة، مخرجها و طريقة نطقها..) . وهذا يتم في المرحلة العمرية الأولى من عمر الطفل . و تستمر عملية تقسيم المجموعات في المراحل العمرية المتقدمة، أما في المرحلة الأولى يبدأ تقسيمهم للأشياء من خلال معرفة مجموعة كاملة ثم محتوياتها، وفي مراحل عمرية مبكرة تقريباً على عمر الثلاث شهور يستطيع الأطفال التمييز بين الأشياء ضمن نفس المجموعة مثلاً بين القط و الكلب، وفي عمر الأربعة شهور يستطيعون التمييز بين المجموعات ككل مثلاً مجموعة الأثاث و مجموعة الحيوانات. يستطيع الأطفال أيضاً معرفة الأشياء في المجموعة من خلال عملها أو لماذا نستخدمها. وبذلك يبني الطفل اللغة بدماغه طابقاً طابقاً.
كيف ينظر الطفل للأحداث من حوله؟
الأطفال في المرحلة العمرية الأولى ينتبهون كثيراً لتفاصيل وحركات المحيط، في عمر الأربعة شهور يستطيع الطفل مثلاً التمييز بين الحدث المقصود و الحدث الغير متعمد، فهم يركزون في فهمهم للأحداث على المقصد من وراءها . في هذه المرحلة العمرية يركزون انتباههم على النتائج التي تخرج من تحقيق الهدف، مثلاً عند متابعة الطفل سلسلة لعب ، عند الضغط على زر تشغيل اللعبة تخرج أصواتاً، يحاولون تقليد ذلك و التركيز على فكرة الهدف هو تشغيل اللعبة و النتيجة كانت إخراج أصوات و هذا أمر مهم من ناحية إندماجهم في التفاعل الإجتماعي المقصود، مثل استخدامهم التأشير و الحركات التي تتطور للغة فيما بعد.
كيف أساعد طفلي؟
بإمكانك مساعدة طفلك في المراحل العمرية الأولى من خلال زيادة الكلمات من حوله، و تواصلك معه باستخدام أشياء محيطة مرئية وملموسة ،أي باستخدام الحواس وذلك يساعده في التخزين بطريقة أسرع و الربط بين الأشياء، مثلاً بإمكانك تعليمه كلمة وردة،بإحضار وردة و جعله يشمها و يلمسها. كما أن الطفل يبدأ من عمر الستة شهور تقريباً بالتواصل مع الأشياء و النظر إليها، أو تبادل نظره بينك وبين الشيء، فهذا أمر مهم لتعلم اللغة بإمكانك بهذه اللحظة وصف ماذا يحدث، فمثلاً اقرأي له قصة و هنا هو سيبدأ بتبادل النظر بين وجهك و القصة، و تواصلك البصري معه أمر في غاية الأهمية لبناء اللغة، بإمكانك استغلال كل عمر مثلاً و ربط المجموعات و استخدام أشياء من أكثر من مجموعة، و تعزيز مفهوم السبب و النتيجة من خلال اللعب معه،و تبادلكم الأدوار من خلال استخدام الألعاب مثلاً. فهناك العديد من الأفكار التي تأتي من تلقاء نفسها مع طفلك ،لكن الأهم تواصلك معه و قضاء وقت مع طفلك، وهذا من شأنه أن يعزز العديد من الأمور المهمة للتطور لديه.
وبذلك نصل لنهاية سفرنا في هذه التركيبة للمرحلة العمرية الأولى، هذا الدماغ الذي ظنناه صغيراً يحوي الكثير من النشاط ويركز على الكثير من التفاصيل المألوفة لدينا، تطور اللغة الإستقبالية أمر مهم لكل مجالات الحياة و التواصل و بناء معرفة حول الأشياء، نلتقي بسفر آخر مع النحلات في السلسلة القادمة.