يعود إليكِ طفلك كل يوم من المدرسة أو الروضة ملامحه باهتة، و وجهه مسوداً تعلوه ملامح الحزن، تؤلمك دموعه المخفية وسط عيونه، ثم ينفجر ” ماما الكل بيضحك علي ليش بحكي هيك” ويستهلك دقيقة أو يزيد حتى يُخرج هذه الكلمات، تتكرر الكلمات أو الأصوات، يقفر، يه، يتلعثم ثم يصيبه احباط كبير. منذ تلك اللحظة تقرر توجيهه للمكان المناسب وعلاج التأتأة، هذه المقالة توضح أكثر ما هي التأتأة، علاماتها و ما هو طبيعي و ما هو غير طبيعي فيها.
ما هي التأتأة ؟
التأتأة هي اضطراب من اضطرابات الطلاقة الكلامية، و نعني بالطلاقة الكلامية : ” خروج الأفكار و الكلام بطريقة بسيطة وسلسة دون جهد “، بالتالي فإن اضطراب الطلاقة الكلامية : ” هو عدم القدرة على إخراج الكلام أو الأفكار بطريقة سهلة و سلسلة ، مع صعوبة لسبب ما “. التأتأة هي : ” اضطراب في الطلاقة الكلامية، المتمثلة في وجود تكرار على مستوى ( الكلمات أو الأصوات أو المقاطع) و قد يصاحبها وقفات في الكلام، إطالة الصوت، و إغلاق لمجرى الهواء على مستوى الأوتار الصوتية ما ينتج عن كل هذه العلامات صعوبة في إخراج الكلام بشكل بسيط وسلس”. نشير أيضاً إلى أن التأتأة التي تبدأ منذ مرحلة الطفولة و تستمر مع الطفل، تختلف عن التأتأة التي حدثت نتيجة إصابة، فالأولى تكون تطورية و الثانية مكتسبة نتيجة إصابة. التأتأة لها علاماتها أيضاً سواء كانت مكتسبة أو تطورية.
علامات التأتأة
هناك علامات مميزة تجعل مشكلة التأتأة مشكلة ظاهرة، وهذه العلامات هي العلامات الرئيسية أو الأساسية و القسم الثاني العلامات الثانوية. فالعلامات الأساسية هي
: أولاً : التكرار : هو أحد العلامات المميزة جداً للتأتأة، وفي الغالب الأهل يصفون الطفل الذي يتأتئ بأنه يكرر، فالتكرار قد يكون على مستوى الصوت مثلاً ( س س س سامي)، المقطع مثل ( سا سا سا سامي)، أو كلمة واحدة مثل ( سامي ، سامي، سامي بيلعب)
ثانياً: الإطالة: الإطالة وهي زيادة المدة الزمنية في نطق الصوت الكلامي، مثلاً يقف الطفل عند صوت ال(س) فيقف في قوله : ( س—امي) .
ثالثاً: الوقفات بين الأصوات في منطقة الحنجرة: وقفة الصوت في الحنجرة يصفها المتأتئ ( كأنه الصوت مدكر /معلق في مكان ما)، عند خروج الصوت تخرج كمية من الهواء من بين الوترين الصوتين و تعمل على اهتزازهم بعد الأوامر العصبية و حركات العضلات ثم يذهب مجرى الهواء إلى حجرات الرنين، و أعضاء النطق المسؤولة عن تشكيل الصوت، الذي يحصل في هذه الحالة أن الوقفة تتم للهواء الخارج في مكان ليس صحيح، مثلاً عند الحنجرة ، فيقول الطفل ( س. امي) وكأنه بالعاً للصوت وبصعوبة أخرحه.
أما العلامات الثانوية فالشخص المتأتئ مدركٌ لمشكلته؛ لذلك عند لحظة التأتأة يقوم بعمل ردات فعل ظناً منه أنها تجعله هارباً أو متجنباً التأتأة، فيزعجه كونه متأتئ. من هذه العلامات التي تظهر أو ردات الفعل:
١- سلوكيات الهروب : فتحدث عندما يحاول المتأتئ أن يفعل أي شي لإنهاء الكلمة ظناً منه أن هذا الشيء يخفف التأتأة. فأشهر الأمثلة على سلوكيات الهرب: الرمش بالعين، هز الرأس، استخدام أصوات أو مقاطع بين الكلمات مثلاً ( آه).
٢- سلوكيات التجنب : و تحدث من كونها تجنب أي أن المتأتئ يعرف الكلمة أو الموضع الذي تحدث عليه التأتأة فيحاول تجنبها، فمن الممكن أن يستخدم كلمة بديلة عن الكلمة التي يتأتئ عليها ، فمثلاً هو يتأتئ على كلمة كرة ، فيقول بدلاً منها ” طابة” ، أو ممكن أنه يتأتئ على كلمة ملعقة فيقول ” اللي بنوكل فيها”وهكذا . الشعور و الموقف: الشخص المتأتئ يرى هذه المشكلة شبحاً يلاحقه في حياته، و يجعل حياته مغلقة باتجاهات متعددة. من ناحية إجتماعية،أسرية و من ناحية تعليم و وظيفة مثلاً، فقد يتجنب الكلام خوفاً من التأتأة فيبقى صامتاً مثل “مستر بين”، يكون محرجاً بين الناس عند التكلم، فهو يدرك داخلياً أن لا أحد مجبراً على الصبر عليه و تحمله حتى إنهاء كلامه، فتصيبه الخيبات ،الإحباط و الخجل من المحيط. فالشخص المتأتئ بسبب التأتأة قد تظهر لديه صفات ليست من شخصيته ، أو أنه ليس هو.
هل كل ظهور للتأتأة هو ظهور غير طبيعي؟
الكثير من الأهل في المراحل العمرية الأولى للطفل يصيبهم وسواس التأتأة، و أن الطفل متأتئ و يكرر العديد من الكلمات فتقول إحداهن : ” ابني بيحم بالي لحتى يخلص الكلمة و يوصل للي بده ياه، بضل يحكيلي ماما صاحبي صاحبي صاحبي اه اه ضربني” و الأم بفارغ الصبر تنتظر أو قد ينفذ صبرها. إذاً هل طفلي متأتئ فعلاً في هذا العمر الصغير ؟ نشير إلى نقطة غاية في الأهمية هنا؛ وهي أن الأطفال من عمر الثلاث سنوات حتى عمر الست سنوات تقريباً، قد تظهر لديهم التأتأة في فترة من حياتهم و تكون عدم طلاقة كلامية طبيعية؛ لأن الطفل في هذا العمر تتطوره اللغوي يزيد بسرعة، كما أن مفرداته تزيد أيضاً ما يؤدي إلى حدوث ضغط عليه، فطبيعي أن تظهر عليه هذه السمات، لكن هناك خطوط فاصلة أحياناً تجعلنا نصنف هذا الاضطراب في الطلاقة الكلامية إلى تأتأة غير طبيعية وهناك عدد من العوامل التي تجعل الطفل يقع ضمن مرحلة الخطر في كوْن التأتأة غير طبيعية وهي :
١- أن يكرر الطفل المقاطع أو الأصوات بشكل مستمر مدة طويلة.
٢-إدراك الطفل لوجود تأتأة.
٣- نسبة عدم الطلاقة الكلامية في الكلام كبيرة ( تتجاوز ١١٪).
٤- أن يكون الطفل ذكراً؛ إذ أن الدراسات أثبتت أن نسبة إصابة الذكور بالتأتأة أكثر من الإناث.
٥- وجود وقفات غير طبيعية عند إنتاج الأصوات .
٦- وجود العلامات الثانوية المصاحبة للتأتأة.
فكل هذه الإشارات تجعل الطفل حتى لو كان ضمن المرحلة العمرية من ٣-٦ سنوات، تجعله يتجاوز خط التأتأة الطبيعية إلى التأتأة غير الطبيعية .
أسباب التأتأة
هناك عدد من الدراسات التي بحثت في أسباب التأتأة لكن ليس هناك سبب واحد وحيد للتأتأة، تتنوع الأسباب ما بين :
١- أسباب بيولوجية: كالعامل الوراثي، حيث أن الدراسات أثبتت أن العامل الوراثي يلعب دوراً هاماً في وجود شخص متأتئ في العائلة إذا كان في السلسلة أحد الأفراد لديه تأتأة.
٢- وجود مشكلة تعزى لعامل عصبي: تنتشر في الدماغ مراكز اللغة و النطق، و تنظيم الكلام؛ لذلك وجود خلل ما عصبي قد يؤدي إلى حدوث تأتأة. قد تكون الأسباب منذ الولادة كوجود خلل عصبي تطوري مع الطفل، أو بسبب تعرض الشخص لحادث ما أو ضربة أو إصابة أثرت على مراكز الكلام فجعلته متأتئاً. عوامل نفسية: أعرف إحدى الحالات التي سمعت قصة فيها خوف، عندما أصابها هذا الخوف أصبحت متأتئة، فالخوف و التوتر و الصدمات كلها قد تجعل الشخص يتأتئ نظراً لوجود علاقة قوية بين التأتأة و الحالة العاطفية.
3-العامل البيئي: كما سبق و ذكرنا بخصوص التأتأة الطبيعية، فالبيئة قد تخفيها أو قد تعززها ،كيف يتم ذلك؟ هناك عدد من الأمهات عند بدء الطفل بالتكلم و إسهابه وإطالته للكلمات، فتقول له :” طيب يا ماما ، يالله انجز، بدي أضل استنى فيك، خلصني، و بعدين…” و العديد من الكلمات ما يجعله مدركاً للتأتأة، متجنباً الكلام،، خائفاً من التكلم و يؤثر على تواصله و يخلق مشكلة تاتأة فعلاً، لكن على الأم أن تصبر على طفلها تسمعه حتى نهاية كلامه تساعده، و تقول الجملة أمامه مرة واحدة، فتقف معه في هذه المرحلة التي ستختفي عما قريب.
علاج التأتأة
التأتأة عالم كبير، له درجاته ومراحله وطرق علاجه، بشكل مختصر جداً التوجه الأساسي يكون عند أخصائي النطق الذي بدوره يقوم بعمل التقييم اللازم لوضع تشخيص وخطة علاجية، و البدء بإجراء إستراتيجات تساعد على التخلص من التأتأة، لا شيء مستحيل ويمكن علاجها لكن بعدم إهمال المشكلة أو جعلها عادة. وعلاجها لا يكون بتناول نوع من الأطعمة مثلاً إنما بإستراتيجيات وطرق معينة.
كشفك المبكر عن وجود مشكلة تأتأة عند طفلك، هو أمر مهم جداً و يختصر عليك في العلاج، خذ بيد طفلك الآن نحو طريق العلاج أو حتى الإنسان الكبير عليه أن لا يجعل التأتأة جزء لا يتجزأ من حياته ظناً منه أن لا علاج للتأتأة، قد يأخذ وقتاً العلاج لكن النتائج تكون واضحة على الفرد، تغلب على مشكلتك دوماً لتحقق ما تريد تحقيقه في هذه الحياة و لا تقف عند محطات الإحباط و تكرار الكلمات.
لعلاج هذه المشكلة سجل مع المستكشف